نقل السلطة و الديمقراطية بقلم: ليندا توماس غرينفيلد، مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية

يفترض أن تكون هذه السنة سنة حاسمة بالنسبة للديمقراطية في أفريقيا. فقد نظمت ست دول بالفعل انتخابات رئاسية خلال السنة 2016، و تستعد 11 دولة اخرى للقيام بالشيء نفسه. إنها فرصة فريدة للقادة الأفارقة لتعزيز الديمقراطية ولترسيخ إرثها و لتهيئة الظروف للانتقال السلمي للسلطة. ومن ذلك سيتحدد مسار الديمقراطية في جميع أنحاء القارة إن لم نقل في العالم. بالفعل، أعطى بعض القادة الأفارقة الإشارة الصحيحة من خلال اجراء انتخابات حرة ونزيهة، في الوقت المناسب. لكن ثمة آخرون لم يستجيبوا لإرادة شعوبهم و لم يحترموا متطلبات دساتير بلدانهم.

في شهر مارس من السنة الماضية، و رغم كل الصعاب، توجه النيجيريون (نيجيريا) إلى صناديق الاقتراع في انتخابات حرة وذات مصداقية لم يتوقعها أحد، حيث صوتوا لمرشح المعارضة للمرة الأولى في تاريخهم. في ديسمبر، كان لي الشرف في تمثيل الولايات المتحدة في حفل تنصيب الرئيس كابوري في بوركينا فاسو. وكان ذلك نجاحا هائلا يعكس رغبة شعب بوركينا فاسو في التغيير. وكان الرئيس السابق كومباوري قد مارس السلطة لمدة 27 عاما استمرت حتى الانتفاضة السلمية في عام 2014 التي قال الشعب من خلالها: “كفى!

في الشهر الماضي، تبنى شعب جمهورية أفريقيا الوسطى، البلد الخارج للتو من حرب أهلية مدمرة، التغيير الديمقراطي والتصويت في انتخابات رئاسية سلمية. مهد الرئيس المؤقت الطريق للمرحلة الانتقالية، بينما أحترم المرشح الخاسر النتائج، وتعهد المرشح الفائز بتوحيد البلاد.

في العديد من البلدان، شهدنا محاولة القادة تعديل دساتيرها من أجل البقاء في السلطة.  ومع ذلك، و هذه بالضبط هي مقاومة التغيير وعدم الرغبة في احترام قواعد اللعبة التي تؤدي في النهاية إلى الاستياء وعدم الاستقرار.

لنأخذ بوروندي كمثال على ذلك. فقد تجاهل الرئيس نكورونزيزا اعتراضات العديد من البورونديين، بما في ذلك أعضاء من حزبه، وقرر العام الماضي الترشح لولاية ثالثة، في انتهاك صارخ لاتفاق السلام والمصالحة في أروشا التي كانت أساسا للاستقرار لأكثر من عقد من الزمن. ومنذ ذلك الحين تشهد البلاد أعمال عنف، خلفت الآلاف من القتلى و أدت إلى نزوح أكثر من ربع مليون شخص، وإلى انهار الاقتصاد بسبب حالة عدم الاستقرار الناجمة عن هذه الأحداث.

, لكي نكون واضحين، نحن نحترم حق مواطني أي بلد في تعديل دستورهم من خلال الوسائل القانونية. ولكننا لا ندعم من هم في السلطة عندما يحاولون تعديل دستور بلادهم أو عندما يتجاهلون اتفاقيات السلام، بهدف وحيد هو تمديد ولايتهم في السلطة، لأن مثل هذا السلوك يقوض مؤسسات الديمقراطية و يدمر العملية الديمقراطية بأسرها.

وكما قال الرئيس أوباما في خطابه التاريخي لقمة الاتحاد الأفريقي في العام الماضي، “في بعض الأحيان سوف نسمع من الزعماء من يقول، ” في الحقيقة أنا هو الشخص الوحيد القادر على الحفاظ على وحدة هذا البلد.” إذا كان هذا صحيحا، فإن ذلك الزعيم فشل حقا في بناء أمته لأن القائد الناجح يعمل على تنمية المجتمع و على تعزيز المؤسسات التي يمكن أن تدعم التحولات السلمية داخل نظام مدني قوي؛ فهذا هو الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى الاستقرار على المدى الطويل.

اسمحوا لي أيضا أن أكون واضحا حول ما وصلنا إليه: نحن نشجع عملية التداول السلمي للسلطة في كل مكان. وليس فقط في أفريقيا. في الواقع، لقد واجهنا نفس مشكل تداول السلطة هنا في الولايات المتحدة. حيث أن الرئيس الأول لدينا، جورج واشنطن، بدأ تقليدا، غير مكتوب، في تحديد الفترات الرئاسة برفضه الترشح لولاية ثالثة. الرئيس الأمريكي الوحيد الذي أمضى أكثر من فترتين كاملتين هو فرانكلين روزفلت قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية. لكن بقاءه لفترة طويلة أثار نقاشا حادا حول عدد الولايات المسموح بها للرئيس فقمنا بتغيير دستورنا في عام 1951 للحد منها و جعلها فترتين فقط.

وكمثال على ذلك شهد انتخاب الرئيس توماس جيفرسون، الرئيس الثالث لدينا، أول انتقال للسلطة إلى المعارضة بعد انتخابات شهدت تنافسا شديدا. ففي النهاية قبل الحزب الحاكم بالنتائج وتولى الرئيس جيفرسون مقاليد السلطة سلميا وأصبح واحدا من أنجح رؤسائنا و من أكثرهم تألقا.

 طوال تاريخنا، جلب التناوب المنتظم على السلطة أفكار جديدة، و أصوات جديدة واتجاهات سياسة جديدة ساعدتنا على بناء ديمقراطية أقوى وأكثر انفتاحا على الإطلاق. تجربتي في أفريقيا أقنعتني بأن الأفارقة لديهم نفس الشعور حول الديمقراطية. و بما أن الديمقراطية في جوهرها تعتبر تجسيدا لحكم الشعب، فإن الناس في الغالب يؤمنون بالتغيير. و في العام الماضي فقط، نشرت “أفرو باروميتر” (Afrobarometer) تقريرا أوضحت فيه أن الأغلبية الساحقة من الأفارقة (75٪) يميلون لصالح البقاء في السلطة لولايتين فقط.